Posted by: salemarabic | October 16, 2008

عنصري في الإمارات

غبي من يقول أن العنصرية غير موجودة في دولة الإمارات. هذه الحقيقة لا تنقص من قدر الدولة أو حكومتها، وإنما تسلط الضوء على قضية مهمة داخل الدولة مسكوت عنها، وقلما نجد من يناقشها، وتبقى ذلك الفيل في الغرفة دون أن يلتفت إليها أحد بتجاهل تام. يتصارع كثير من أبناء الإمارات مع العنصرية على خلاف أطيافهم وطبقاتهم الإجتماعية. لا يختلف إثنان أن دولة الإمارات دولة يدخل في نسيجها الإجتماعي خيوط عرقية كثيرة منذ القدم، حتى قبل ظهور النفط. ولكن العنصرية تبدو جلية للعيان الآن بعد أربعين عاما على الثروة المفاجئة التي تمتعت بها الدولة، تلك الثروة التي ركب موجتها الكثيرين من التجار وأصبحوا من أقوى الرجال في المجتمع.

بعد تفجر هذه الثورة، بات المجتمع منقسما داخليا إلي قسمين. الأول هو الطبقة الغنية المتدرجة إلى الطبقة المتوسطة العاملة، والطبقة الثانية هي طبقة المعدومين المكافحين الذين بالكاد يجدون ما يكفيهم طيلة الشهر. بعد عاصفة زيادة الأسعار الأخيرة، إنحدر الخط الفاصل بين الطبقتين ودخل كثيرون من أبناء الدخل المتوسط إلى خانة الطبقة المسحوقة التي تحاول العيش في دولة عجز المسؤولين فيها عن تثبيت أسعار السلع ودعمها.

نجد أن أبناء الإمارات ينقسمون إلى أطياف كثيرة ، فمنهم ذوي أصول غير عربية أو “العيم ” والبلوش” والبلوش بالأخص هي مجموعة ترزح تحت وطأة الغلاء أكثر من أي مجموعة أخرى في الدولة، فكثير من أبناء هذه المجموعة لا يمتلكون الجنسية الإماراتية، وبالتالي فإن المساعدات الحكومية إن وجدت لا تكفيهم مكافحة الغلاء. والبدون في الدولة هي ظاهرة لازالت قيد الحل والمناقشة، وقد تجد لها حلا في المستقب القريب خاصة أن الأصوات علت لمنح أبناء هذه المجموعة الجنسية الإماراتية بحكم قدمهم في الدولة وإندماجهم في النسيج السكاني وألفتهم مع أبناء الدولة الذي لا تشكل نسبته الــ 20 % بحسب آخر تعداد سكاني.

حتى أبناء الدولة ذوي الأصول العربية لم يسلموا من الإنحدار إلى ما دون خط الفقر، فكثير من العائلات في الإمارات الشمالية تعاني من سوء الحظ المعيشي ، فنجد عائلات كثيرة ترسل أبناءها للعمل في العاصمة أبوظبي بسبب المرتب المرتفع في أبوظبي.

من إحدى الحالات التي رأيتها في إماراة رأس الخيمة هي مهندسة معمارية تعمل في بلدية رأس الخيمة، هي من خيرة الموظفات في قسمها، ولكن لا يتعدى مرتبها المالي التسع آلاف درهم، في حين أن عملها في العاصمة أبوظبي قد يوفر لها مرتب قد يتجاوز الثلاثين ألف درهم إعتمادا على المؤسسة التي تعمل فيها.

حقيقة أن المرتب يصل إلا الأربع أضعاف في إمارة أبوظبي يدفع كثير من أبناء الإمارات الشمالية الأقل حظا إقتصاديا إلى العمل في العاصمة التي تبعد كثيرا عن مكان إقامتهم. وتعرف العاصمة أبوظبي بأزمة السكن التي تعاني منها منذ فترة ليست بالقصيرة، كما أن أسعار المساكن فيها للعزاب قد تصل إلى الــ 200 ألف درهم في السنة وهو مبلغ يقصم ظهر الموظف المسكين الذي تنتظره في إماراته عائلة أو زوجة.

بالعودة إلى قضية العنصرية في الإمارات، نجد أن الطبقة الثرية في الدولة هي طبقة منفصلة عن باقي طبقات المجتمع، كحال كثير من الدول الأخرى، ولكن المثير في الأمر هو تزايد الهوة بين أبناء الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية، فالطبقة متوسطة الدخل آخذة في التلاشي مع إرتفاع الأسعار المتطرد، مما يجعل المجتمع في منعطف خطير إذا ما استمرت هذه الفجوة في الإتساع، مما يعني أن ذلك الإنفصال الإجتماعي بين الطبقتين الغنية والفقيرة سيزداد تاركا نوعا من الحساسية بين الطبقتين.

وهناك الطبقة المنسية، طبقة ذوي الأصول الأفريقية سمر البشرة الذين يجدون نصيبهم من العنصرية، ولكن ليس كما هو الحال في أمريكا أو أوروبا، حيث أن لون البشرة لا يحضى بكثير من الإهتمام في الأمة الإسلامية، إلا أن داخل الدولة وفي الواقع، نجد أن كثيرا من أبناء البشرة السمراء يعجزون عن إيجاد فرص وضيفية أو دراسية، كما أنه من الصعب أو من المستحيل أن نجدهم في مراكز مهمة في تركيبة المجتمع بالرغم من عدم إختلافهم في التركيبة العقلية عن باقي أبناء الدولة.

ويعاني أبناء الطبقة السمراء في المجتمع من صعوبات كثيرة، فمن النادر أن نجد أبناء هذه الطبقة الصغيرة يتزوجون من خارج أبناء عرقهم، حيث ينظر إلى البشرة السمراء على أنها نقيصة في ذات الرجل أو المرأة حتى لو كان صاحبها ذا عقلية مثقفة وأخلاق حميدة.

هذه المشكلة موجودة كذلك في أبناء الطبقة الفقيرة، حيث من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يتزوج إبن عائلة فقيرة من فتاة من عائلة من الطبقة المتوسطة أو الغنية، مما يدفع أبناء هذه الطبقة ذكورا أو إناثا إلى إيجاد مخارج أخرى بحثا عن علاقات عاطفية خارج نطاق الزواج، وهي ظاهرة منتشرة داخل الدولة، حيث أن أبناء الدولة نادرا ما يتزوجون، بل إن الحكومة عجزت في حث أبناء الدولة من المواطنين للزواج، ووفرت لهم تسهيلات كثيرة تساعدهم، إلا أن غلاء المهر الغير مبرر يبقى معضلة عجز عن حلها حتى قرار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما حدد مهر الزوجة بسبعين ألف درهم وهو مبلغ من الممكن توفيره من قبل كثير من أبناء الطبقة العاملة.

وغلاء المهر هو قمة الجبل الجليدي الذي يخفي تحته جبلا من المشكلات التي تحول دون الشاب وزواجه، فمصاريف الزواج تقصم الظهر في المجتمع الإماراتي بشكل خاص والمجتمع الخليجي بشكل عام. وتبقى المظاهر الإجتماعية التي يتطلبها الزواج حائلا دون الزواج.

غلاء المهر يفتح الباب على مشاكل أخرى مثل العنوسة وتأخر سن الزواج وقلة أعداد المتزوجين، وإنحراف الشباب، والزواج من أجنبيات، وهي مشاكل حلها الوحيد تسهيل عملية الزواج داخل الدولة بين أبناء المواطنين


Leave a comment

Categories